مدرسة محمد علي عنان الابتدائية

أهلا بكم فى منتديات مدرسة عنان التعليميه .... نرجو أن تسجل وتنضم لأسرة منتدانا التعليمى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مدرسة محمد علي عنان الابتدائية

أهلا بكم فى منتديات مدرسة عنان التعليميه .... نرجو أن تسجل وتنضم لأسرة منتدانا التعليمى

مدرسة محمد علي عنان الابتدائية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مدرسة محمد علي عنان ترحب بالسادة الزوار
مدرسة محمد علي عنان ترحب بالسادة الزوار

    تعبيرات عاشت لعمالقة

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 69
    تاريخ التسجيل : 17/02/2010

    تعبيرات عاشت لعمالقة Empty تعبيرات عاشت لعمالقة

    مُساهمة  Admin الخميس مارس 18, 2010 1:39 am

    التعبير الحادى عشر ..
    " اللهم خذ لعثمان منى اليوم حتى ترضى .."
    القائل ..
    " طلحة بن عبيد الله .. " رضى الله عنه

    الموقف ..
    لا يذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه رضى الله عنهما .. كما قال المفكر الاسلامى خالد محمد خالد رحمه الله .. فقد كانا جناحين لقلب واحد اتخذ من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نبراسا وهاديا
    وكان طلحة رضى الله عنه من أجود الناس وأكرهم حتى لقبوه بطلحة الخير وطلحة الفياض ..
    كان رضى الله عنه سيفا فى الحق لا يهون ..
    وحماسة الحق فى أعماقه .. أخذته بعيدا فى التعبير عن غضبه من الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه .. ابان أزمة الاسلام الثانية " الفتنة الكبري "
    وكان دافع غضبه رؤية عثمان رضى الله عنه فى موقف المحابي لأقاربه .. غير أنه لم يكن يعلم قطعا حقيقة هدف المتمردين .. ونيتهم فى قلب الخلافة ..
    كان يتوقع أنها غضبة حق من أهل حق .. لا غضبة باطل فى صورة حق .. لذا لم يجد طلحة رضى الله عنه غضاضة فى الوقوف الى جانب من تصورهم على الحق ..
    فلما بسطت الحوادث وقائعها .. وتم اغتيال ذى النورين رضى الله عنه .. كانت صدمته عنيفة بحق ..
    وطار صوابه مما حدث .. ونظرا لطبيعته الجياشة .. أحس بوخز الضمير يكاد يفتك به .. وتغير موقفه من النقيض الى النقيض .. وهب هو والزبير والسيدة عائشة رضى الله عنهم يجمعون الناس للفتك والأخذ بثأر عثمان .. وكان طلحة رضى الله عنه أشدهم فى ذلك حمية .. ونظرا لأنه فكر بعواطفه وأحس أنه يحمل بعض الوزر فى مقتل عثمان رضى الله عنه .. فلم يهتد الى الصواب .. ويترك أمر القصاص لخليفة المسلمين الجديد على بن أبي طالب رضى الله عنه .. ولم يستمع لنصائحه .. وكيف لا .. وذنب عثمان رضى الله عنه يصم عن أذنيه كل شيء الا الأخذ بدمه الزكى ..
    وكانت وقعة الجمل .. تلك الوقعة التى فتكت بنفس وقلب وعقل الامام على رضى الله عنه .. وهو يري أم المؤمنين تقود جيشا هو فى حكم المنطق جيش تمرد على سلطة الخليفة الشرعى .. معها رفاق السلاح القدامى طلحة والزبير رضى الله عنه ..
    فى ذلك اليوم .. وقف طلحة قبل بدء القتال وعيناه تدمعان وقال ..
    " اللهم خذ لعثمان منى اليوم حتى ترضى "
    قالها فى احساس عارم بالمسؤلية .. مسؤلية لن تجد عزيزى القارئ معشارها هذه الأيام .. مسؤلية لا يحمل وزرها هو .. لم يشارك بها لكن طبيعة الصحابي المثالي فى أعماقه دفعته الى تحملها وهو منها برئ..
    ودارت المعركة .. ولنتفض الامام على رضى الله عنه من كثرة الدماء المسالة .. وصاح بكل ما يعتمل فى نفسه من المرارة ..
    " الى يا طلحة .. الى يا زبير"
    فبرزا له .. فنظر الامام على رضى الله عنه الى الزبير رضى الله عنه وقال بعيون دامعة ..
    " يا زبير .. ناشدتك الله .. ألا تذكر في يوم أن كنت جالسا مع رسول الله صلى عليه وسلم .. ورأيتنى مقبلا .. فابتسمت لى .. فسألك رسول الله صلى عليه وسلم .. أتحبه يا زبير .. فرددت أنت .. ألا أحب ابن عمى وابن خالى ومن هو على دينى ..
    فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم .."
    فامتقع وجه الزبير رضى الله عنه وألجمت كلمات الامام على رضى الله عنه لسانه وهو يتذكر الموقف البعيد .. وانتفض قلبه وهو ينزل من على صهوة جواده ودموعه تسبقه ..وألقى بسيفه على الأرض وقال للامام على ..
    " نعم .. والله لقد ذكرتنى بما نسيت .. والله لا أقاتلك أبدا .. " وانصرف ودموعه تبلل خطواته ..
    فالتفت الامام على رضى الله عنه الى طلحة رضى الله عنه وقال ..
    " وأنت يا طلحة .. أخبأت عرسك فى البيت .. وجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعنى السيدة عائشة رضى الله عنها) .."
    فارتج على طلحة رضى الله عنه وكشفت كلمات الامام على رضى الله عنه ما خفى عن عيونه .. وأبصر ما هو فيه من موقف .. فترجل عن فرسه .. ولحق بصاحبه الزبير رضى الله عنه نادما ..
    واستغفرا الله على ما دفعتهما اليه عاطفتهما .. ولم يطل الوقت بهما حتى لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فى غير تفريط ولا افراط ..
    أما الزبير فقد قتله عمرو بن جرموز لعنه الله .. وطلحة صاحب التعبير .. رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله ليستكمل مروان بذلك جرائمه بعد أن كان سببا رئيسيا فى تشويه صورة الخليفة الطاهر عثمان بن عفان رضى الله عنه
    وبقيت السيدة عائشة رضى الله عنها فى المدينة .. بعد أن أرسلها اليها الامام على رضى الله عنه معززة مكرمة .. وكلما تذكرت وقعة الجمل استغفرت وندمت ..
    وبقي من قولها فى هذا الشأن ..
    " والله ما كان أن أرزق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة من الولد .. بأحب الى من أن عدم خروجى يوم الجمل "
    رحم الله زمانا ..
    كانت الكلمة فيه بقيمتها ..
    والموقف فيه عنوان صاحبه ..
    وصلى الله على الرسول الكريم وسلم .. ورضى عن صحابته الكرام

    أحبائى .. تمت بذلك تعبيرات العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم مع افتتاح التعبيرات باحدى مقولات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
    وباذن الله .. نتذكر معا بعضا من تعبيرات أعلام الصحابة رضوان الله عليهم
    وقد بدأت بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم بالعشرة المبشرين .. ثم أواصل باذن الله بأهل بدر وأحد ومن تلاهم .. ودافعى فى ذلك ..
    ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه حيث قال ..
    " كنا نفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..بأبي بكر .. ثم عمر .. ثم عثمان .. ثم على .. ثم سائر العشرة .. ثم أهل بدر .. ثم أهل أحد.. ثم بقية الصحابة "
    فرضى الله عنهم جميعا

    التعبير الثانى عشر ..
    " لا حاجة لى فى دنياكم "
    القائل ..
    " جندب بن جنادة .. الشهير بأبي ذر الغفاري "

    الموقف ..
    هذا الموقف .. يعلمنا كيف كان الاختلاف بين الصحابة رحمة .. كيف كان هادفا لخير المسلمين نابعا من صور الايمان الكامل فى غير تعصب أعمى ..
    هذا الموقف .. يعلمنا كيف أن الاختلاف فى وجهات النظر لا يعنى أن ينكر الأخ ما لأخيه من الفضل
    مهما اتسعت هوة هذا الاختلاف ..
    وبالنظر الى صاحب الكلمات .. أبو ذر الغفاري رضى الله عنه .. سنجد اننا أمام أستاذ متفرد .. نسيج وحده .. تلميذ مميز من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ما لصاحبه من تفرد .. عندما جاءه بعد الهجرة مصطحبا معه قبيلتى غفار وأسلم .. هاتان القبيلتان اللتان كانتا حلفاء للشيطان .. وجبابرة قطع طريق القوافل ..
    جاء بهم أبو ذر .. أبطالا للاسلام .. أساتذة فى الايمان .. حلفاء للخير والحق والعدل
    وتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم الى صاحبه وقد شعر فيه بصدق اللهجه والعنف فى الوقوف الى جانب الحق .. توجه اليه بالنصح أن يستخدم لسانه الجامع بديلا عن سيفه القاطع ..
    وذلك حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    " ما أقلت الخضراء ولا أظلت الغبراء .. أصدق لهجة من أبي ذر "
    وعاش أبوذر هانئا قابعا وراضيا فى خلافة الصديق والفاروق رضى الله عنهما .. وعندما أهلت خلافة ذى النورين رضى الله عنه ومضت الحوادث والسنون وكان ما كان من خداع أقرباء الخليفة العادل لخليفتهم .. وزادت ثرواتهم وتطاولوا فى البنيان على رقاب الناس .. هب أبوذر ناشرا لسانه الحاد لتنبيه الخليفة .. وانطلق الى الشام .. حيث واليها معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ..
    وهناك التف الناس حول أبي ذر هاتفين
    " حدثنا يا أبا ذر .. حدثنا يا صاحب رسول الله " ..
    وتحدث أبو ذر رافضا تزايد أموال الولاة .. ومنشدا نشيده الشهير
    " بشر الكانزين بمكاو من النار " والمأخوذ عن القرءان الكريم ..
    وأتى معاويه فى قصره .. ووقف يسائله فى عنف وقوة .. عن ثروته بالأمس وثروته اليوم .. عن دوره بالأمس فى مكة .. وعن قصوره اليوم بالشام ..
    ومعاوية يحاول مناقشته .. وأبو ذر كالسيف القاطع بما له من العلم الجامع ..
    وحين استشعر معاوية خطورة الموقف .. لم يستطع التعرض لأبي ذر وحفظ له قدره .. وأرسل الى الخليفة يستنجد به قائلا " ان أبا ذر أفسد علينا الناس بالشام "
    فأرسل عثمان الى صاحبه أبا ذر رضى الله عنهما .. ليأتيه من فوره .. فامتثل أبوذر لأمر الخليفة وهرع اليه فى المدينه تاركا الشام كلها تودعه باكيه .. ولما قدم الى عثمان رضى الله عنه .. أحب الخليفة أن يستبقيه الى جواره فى المدينة ورغبه فى الاقامة بها وبطيب العيش .. وقال له " ابق معنا يا أبا ذر .. تغدو عليك اللقاح وتروح "
    غير أن أبا ذر رضى الله عنه .. نهض رافضا العرض وطيب العيش .. مفضلا الاعتكاف بعيدا عن الفتن وأجاب على سؤال صاحبه قائلا ..
    "لا حاجة لى فى دنياكم "
    ومضى الى الربذة مفضلا شظف العيش على لين الطعام والشراب ..
    ولكنه .. وعلى الرغم من اختلافه مع صاحبه .. يحفظ لهم أقدارهم وفضلهم ., ولذا عندما جاءه دعاة الفتنة .. يحاولون تأليبه على عثمان رضى الله عنه .. نهرهم فى شدة قائلا ..
    " والله لو سيرنى عثمان بين المشرقين .. لامتثلت واحتسبت ورأيت فى ذلك خيرا لى .. ولو صلبنى على أطول خشبة لامتثلت واحتسبت .. ورأيت فى ذلك خيرا لى "
    أرأيتم روعة الكلمات , وعظمة قائلها ,..
    هذه هى الأخلاق العربية التى غابت .. وعاشت
    غابت عهودها .. وبقيت آثارها
    رضى الله عنهم جميعا .. وأثابنا عن تذكرهم خيرا ..

    ونواصل مع نجوم عصر الصحابة رضوان الله عليهم .. مسيرة التعبيرات الخالدة والتى مهدت لقيام دولة الاسلام الكبري .. دولة الأخلاق بداية ونهاية ..
    ومع كل تعبير .. نتلمس الدرس الذى يطرحه .. ونتأمل أنفسنا .. فمن يدرى .. ربما ..

    التعبير الثالث عشر ..
    " لا أرانى آسي على شيئ فاتنى فى هذه الدنيا .. الا أننى لم أقاتل مع على الفئة الباغية "
    القائل ..
    عبد الله بن عمر رضى الله عنه

    الموقف ..
    من منا يجهله .. الطيب بن الطيب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما .. أشبه الناس بأبيه .. والصحابي الأكثر تدقيقا فى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم .. والعالم العامل والذى رفض ولاية القضاء ـ وهو بها حق جدير ـ مخافة الغرور بالله ..
    من منا يجهل هذا النابغة العربي .. ؟
    هذا العبقري سليل العبقري .. هو صاحب التعبير هذه المرة ..
    وكان موقف التعبير فى أشد أزمات الاسلام بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى
    أزمة الفتنة الكبري بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه .. وتولى الامام على بن أبي طالب رضى الله عنه الخلافة .. وكون ما كان من الصراع المرير الذى خاضه ضده معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه وغفر له زلته ..
    فى هذا الصراع المؤلم .. وهذه الأزمة العاصفة .. انقسم الصحابة على أنفسهم حيالها .. فمنهم من مد يده الى الخليفة الشرعى على بن أبي طالب رضى الله عنه .. وتآزر معه ضد خصومه .. ايمانا منهم بقيمة هذا الامام العادل .. مثل الصحابي الجليل .. عمار بن ياسر رضى الله عنهما .. والصحابي قيس بن سعد بن عبادة رضى الله عنهما
    ومنهم من انحاز الى معاوية .. والله عليم بالأسباب .. مثل عمرو بن العاص رضى الله عنه ..
    ومنهم من رفض الفتنه والأزمة كلها ..
    وهذه الزمرة الفاضلة .. لم تكن تبخس الامام على رضى الله عنه قدره ..
    لكنها رأت فى الفتنه .. أزمة غير مقبولة .. وحربا بين المسلمين .. فرفضوا أن يرفعوا السيوف التى قاتلوا بها جيوش الشرك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجه اخوانهم فى الدين ..
    وهى وجهة نظر .. قد نختلف عليها .. لكنها وجهة ذات رأى بالطبع ..
    وكان زعيم هذه الفئة .. الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه والذى رفض الأمر كله واعتكف فى بيته مغلقا عليه بابه واعتبر نفسه فى آخر الزمان الذى أوصي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف ..
    بل انه رفض حتى أن ينقل اليه أبناؤه أنباء هذا الصراع ..
    وكلما أتاه داع .. أجابه " ائتونى بسيف .. ينطق بالحق .. اذا ضربت به الكافر قطع .. واذا ضربت به المسلم رجع .."
    وكان منهم أيضا .. الصحابي صاحب التعبير فى أعلى ..
    اذ أنه رفض الأمر وامتنع عن نصرة أى من الطرفين على صاحبه ..
    وأجاب من دعاه قائلا " من قال لى حى على الصلاة أجبته ,. ومن قتال حى على الجهاد أجبته ,. ومن قال حى على قتل أخيك المسلم .. قلت لا "
    واستمر رضى الله عنه فى عزلته ..
    ومضت الأقدار بسيرها المعروف .. وعمر عبد الله بن عمر طويلا .. وحضر خلافة معاوية رضى الله عنه .. وأيضا ولاية ولده يزيد .. وبعد مقتل يزيد .. واعتزال ابنه معاوية الثانى للحكم فى واقعة مشهورة اعتذر فيها هذا الفتى الصالح عن أعمال أبيه .. ودعا الى اختيار خليفة غيره ..
    وقامت الفتنة وحرب الحكم مرة أخرى ..
    وجاء فى هذه الأثناء .. مروان بن الحكم .. سر أزمة عثمان رضى الله عنه ..
    جاء الى عبد الله بن عمر رضى الله عنه .. داعيا اليه للخلافة قائلا
    " أنت سيد العرب .. وابن سيدها .. فامدد لك نبايع لك .. "
    فقال له عبد الله بن عمر " وماذا تفعل مع أهل الشام .؟"
    فقال مروان " نضربهم .. حتى يبايعوا .."
    فقال له عبد الله " ما كنت بعد هذه السن .. لأترك نفسي وأكون سببا فى اسالة دم مسلم واحد لأجل الامارة .."
    ورفض رفضا قاطعا ..
    على الرغم من أنه كان آخر العظماء فى عصره بذلك الوقت ..
    وجلس معتكفا كما كان ..
    وتأمل حال دولة الاسلام بعد تفجر الصراع مرة أخرى ..
    ونزلت من عينه دمعة حسرة مؤلمة .. فتركها تنساب حرة .. وهو يتمتم متألما ....
    " ما أرانى آسي على شيء قط فاتنى فى حياتى .. الا أننى لم أقاتل مع على الفئة الباغية "
    فى اعتراف صريح أنه لم يكن يتوقع أن يؤول الأمر الى ما آل اليه ..
    فرضى الله عنك يأ بن عمر ..
    ورحم الله زمانك .. يا سيدى ..

    التعبير الرابع عشر ..
    " يا ليتنى .. قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم .."
    القائل ..
    " عبد الله بن عمرو بن العاص " رضى الله عنهما

    الموقف ..
    وهذا الموقف .. دليل آخر من دلائل العظمة ..
    عظمة الاسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم .. وعظمة رجاله الأوائل ..
    كان عبد الله بن عمرو بن العاص .. رضى الله عنهما .. علما فريدا فى العبادة .. وقد سبق أباه الى الاسلام ..
    كان واحدا من الأفذاذ الكبار .. رضوان الله عليهم ..
    وكما سبق القول ..
    كان رضى الله عنه .. متميزا فى العبادة فى ليله ونهاره .. قياما وصياما وتصدقا .. على النحو الذى أثار شفقة أبيه عليه .. وخشيته من تشدده البالغ فى عبادته ..
    فحاول أن يخفف من هذه الشدة .. فلم يفلح معه ..
    فرفع الأمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فاستدعى عبد الله بن عمرو .. وناقشه صلى الله عليه وسلم وطلب اليه التخفيف .. فتمنع عبد الله قليلا ..
    فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم برفقه المعهود .. وأخبره أن ذلك لصالحه .. لأنه ـ ومع تقدم السن به ـ سيجد نفسه مضطرا الى التخفيف مع تأثير الشيخوخة والهرم ..
    وعلى الرغم من ذلك ظل عبد الله رضى الله عنه .. مستمرا فى برنامج عبادته القاسي .. ولم يترك لنفسه أو لجسده نصيبا ..
    ويمر الزمن بعبد الله بن عمرو العاص ..
    ويبلغ الهرم ..
    وتخونه قدرته على الالتزام الذى درج عليه فى أيام صباه وشبابه ..
    فيجلس الى نفسه قليلا ويتأمل حاله .. ويبتسم .. ويصلى على أستاذه صلى الله عليه وسلم .. ويقر بينه وبين نفسه بمدى صدق رسول الله فيما نصح به صلى الله عليه وسلم ..
    ويهمس قائلا ..
    " يا ليتنى .. قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
    أرأيتم بلاغة الدرس ..
    فعلى الرغم من أن عبادة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه لم تكن تشددا مريضا فى الدين .. أو تطرفا .. الا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطيه الدرس الذى ينبغى أن يدركه كل مسلم فى دينه ..
    ألا وهو أن الاسلام دين الوسطية الحقة ..
    دين دعوة ألا تفريط ولا افراط ..
    دين الله الخاتم .. والذى ينبذ كل تطرف فى أى مجال حتى ولو كان فى الصالح ..
    فان الله تعالى من رفقه بعباده .. يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى أوامره ونواهيه فى تناسق بديع لم يرد لرسالة من قبل ..
    فسبحانه جل وعلى ..
    وما أعظمه من خالق .. سبقت رحمته .. غضبه ..
    هو العاطى بغير حساب ..
    نسأله الفضل والمن والمغفرة .. ونتمنى أن نكون أهلا لها .. بتذللنا اليه وتقربنا مما يرضيه
    وصلى الله على باعث الدعوة ونبراسها صلاة دائمة تؤم المسلمين فى عهد جديد .. طال انتظاره
    التعبير الخامس عشر
    " والله لو حاربونا وهزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر .. لأيقنت أننا على الحق وهم على الباطل "

    القائل
    " عمار بن ياسر " رضي الله عنهما ..

    الموقف
    وما زلنا مع هذه السير العطرة التى تحيي بداخلنا ما مات من عصر الاسلام الأول .. بكل طهارته ونقائه
    بكل عفته وبهائه .. بكل مواقفه وتعبيراته التى صارت مثلا ..
    نعم صارت مثلا .. ولكن أين المتعظون من ذوى العقول ..

    واللقاء هذه المرة مع أحد أعلام الصحابة ونجومه الكبار ..
    عمار بن ياسر .. رضي الله عنهما ..
    وهو الغنى عن التعريف هو وعائلته التى ضربت أروع أمثلة التضحيات الحرة فى التاريخ الاسلامى
    ذلك الذى قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام
    " ان عمار جلدة بين عينى وأنفى "
    هو التقي الورع .. الفارس المقدام .. الفقيه المفكر ..
    هو عالم من العظماء أذيبوا فى جسد واحد والله .. رضي الله عنه وأرضاه ..
    وهناك الكثير من المواقف والأحاديث النبوية الشريفة التى اتخذت عمارا موضوعا لكلماتها ..
    بيد أن أخطرها وأهمها على الاطلاق ..
    تلك النبوءة التى وردت على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام .. عندما شرع المهاجرون والأنصار فى بناء المسجد الأول فى المدينة المنورة .. حيث كان عمار رضي الله عنه بين رفاقه رضي الله عنهم يتشاركون فى البناء والتشييد وكلهم حبور وتفاؤل ..
    وفجأة ..
    وبينما عمار يحاول بمعوله هدم أحد الجدر القديمة التى تعترض بناء المسجد .. هوى الجدار بكل أحجاره فوق رأسه .. ففزع الصحابة جميعا وهرعوا الى موضع الانهيار .. ومن خلال المشهد المروع أيقن الصحابة بهلاك عمار .. وحمل البعض الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم أسف وأسي ..
    فاذا برسول الله عليه الصلاة والسلام يواجههم بوجه باسم مطمئن .. ويقول ..
    " لا .. ما مات عمار .. تقتل عمارا الفئة الباغية "
    وبالفعل نجا عمار من الموت تحت الجدار .. وذهبت روعة الحدث وبقيت استطرادة الرسول التى أثارت الصحابة حول مصير عمار .. وتساءلوا عن تلك الفئة الباغية التى ستقتل عمارا ..
    وتمر السنون بأحداثها ..
    حتى تفجرت الفتنة الكبري .. اثر استشهاد الخليفة الراشد العظيم عثمان بن عفان رضي الله عنه .. ويخرج الامام الطاهر على بن أبي طالب رضي الله عنه لانقاذ الشرعية من أطماع الحكم بالتستر خلف دم عثمان ..
    وكما تقدم انقسم الصحابة بين معتزل للفتنة .. وبين مؤيد للامام على وهم كثر وبين منضم لمعاوية وهم قلة ..
    ولئن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فى حديث شريف ..
    " اقتدوا بالذين من بعدى أبي بكر وعمر .. واهتدوا بهدى عمار "
    لذلك ترقب الناس عمارا الى أى الفريقين يتجه هديه ..,
    ولأن الأمر لا يقبل التخمين مع لسان صدق كلسان عمار رضي الله عنه .. فقد اتخذ جانب الحق الى جوار الامام على رضوان الله عليه .. ووقف يحفز الناس قبل الخروج الى صفين للقاء معاويه رضي الله عنه .. وقال فيما قال ..
    " هلموا بنا نخرج الى الذين يدعون أنهم يطلبون ثأر عثمان .. فوالله ما طلبهم دم عثمان ولكنهم استمرؤا أسرة الملك وعجزوا عن مفارقتها .. "
    ثم رفع سيفه ورايته هاتفا فى قوة وايمان..
    "والله لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. واليوم ها أنذا أقاتل بها .. "
    ثم قال تعبيره الخالد
    " والله لو قاتلونا وهزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر .. لأيقنت أننا على الحق وهم على الباطل "
    هذا التعبير الذى خلدته ذاكرة التاريخ لتعلم الناس من بعد هذه الزمرة الصالحة .. كيف يكون الاصرار على الحق والدفاع عنه الى آخر رمق بغض النظر عن دعوة الباطل بغض النظر عن كثرة مناصري الباطل وجمعهم .. فالحق حق ولو أنكره المنكرون .. والعيب ليس فى الحق بل فى منكريه ..
    هذا ما ينبغي علينا ادراكه ..
    أن نعرف الحق ثم نعرف رجاله .. لا أن نتحيز للرجال ثم نسعي لاكتشاف الحق بعد ذلك
    فالحق عزيز بذاته .. وصفاته .. والباطل عزيز بكثرته .. بيد أنها عزة لا شك فى زوالها ..
    غاية الأمر هو الوصول الى النقاء الايمانى والعلم الصحيح للوصول الى الحق ..
    وبعدها نتمسك به مهما تكالبت الحوادث ..
    ومهما كانت أمواج الباطل عاتية .. فلا شك أن الحق الذى اكتسب جلاله من الله سبحانه وتعالى .. لا شك فى وجوب التمسك به ..
    فقط .. لو أننا توصلنا الى الضمير اليقظ والعلم الذى يؤهلنا لاكتساب الحق فى كل موضع هو فيه ..

    هكذا كان عمار .. وهكذا كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم .. هذا هو عمار ,,
    الذى خاض المعركة وعمره فى ذلك الوقت يربو على السبعين عاما ..
    لكنه كان كشاب فى مطلع العمر بحماسته الفائقة وجلده وعزمه على القتال ..
    واندفع يغنى وينشد وهو يضرب بسيفه ..
    لقد ضربناكم على تأويله ×× واليوم نضربكم على تأويله ..
    ثم يندفع قائلا .. ومهللا ..
    " اليوم ألقي الأحبة .. محمد وصحبه "
    وعلى الجانب الآخر
    تحاشي جانب معاوية رضي اللع عنه المساس بعمار على الرغم من حماسته فى القتال مخافة أن تلتصق بهم الى الأبد صفة الفئة الباغية ..
    بيد أن قدرة الفارس كانت فوق كل تصور ..
    فطاله القدر الذى سعى اليه .. واستشهد البطل الفذ ..
    سقط شهيدا .. لترتفع راية الحق عاليا ..
    ليدرك المنصفون ..
    من هى الفئة الباغية ..
    التعبير السادس عشر
    " لقد شهدت كذا وكذا زحفا .. وليس من موضع فى جسدى الا وفيه طعنه رمح أو ضربة سيف أو رمية سهم .. وها أنذا أموت فى فراشي كما يموت البعير .. فلا نامت أعين الجبناء "

    القائل ..
    سيف الله ,, خالد بن الوليد رضي الله عنه

    الموقف ,,
    هو أبو سليمان الفارس الأشهر .. سيف الله المسلول .. والذى اكتسب لقبه هذا فى حديث رسول الله عند غزوة مؤته ..
    عقب استشهاد القواد الثلاثة للزحف فى هذه الغزوة وهم عبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة ..
    فأخذ خالد اللواء وقاد المسلمين الى النجاة ..
    قال هذا التعبير الخالد .. وهو على فراشه فى لحظاته الأخيرة .. فقد توفي رضي الله عنه على فراشه .. وكانت هذه لنهاية غير متوقعة بالنسبة له بعد طول عهد بالمعارك والحروب ... خاضها كلها وانتصر فيها بفضل ربه .. لم يهزم قط وكان فى حياته يوقن أن نهايته فى ميدان الجهاد شهيدا مجيدا .. لكنه توفي على الفراش .. وقال هذه الكلمات المريرة أسفا على الموت فى الفراش ..
    فأى شجاعة وأى اقدام وأى بسالة .. رضي الله عنه
    عاش مجيدا ومات شهيدا .. فكما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه.. " ما من أحد يسأل الله الشهادة بصدق الا بلغها له ولو مات على فراشه "
    صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
    التعبير السابع عشر
    " أتسب محمدا .. وأنا على دينه ,, ألا رد على هذا ان استطعت "

    القائل ..
    أسد الله .. حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

    الموقف ,,
    الله .. ما أجمل الذكرى .. وأجل صاحبها ..
    انه أسد الله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه .. عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأخوه فى الرضاعة ..
    هو أعز وأشجع ما أنجبت العرب .. وأقواهم اصرار وشكيمة ,,
    هو العملاق الذى أثرى التاريخ .. وشرف التاريخ بالرواية عنه ..
    وهذا الموقف الذى نحن بصدده .. هو موقف اسلام حمزة رضي الله عنه بين رجال قريش ..
    حيث صدع بهذا التعبير فى لحظة فارقة من التاريخ الاسلامى ..
    كان حمزة رضي الله عنه مشغول الفكر والخاطر من دعوة ابن أخيه صلى الله عليه وسلم .. مثله مثل الغالبية العظمى من شرفاء قريش ..
    وكان ثبات ابن أخيه يبهره وصموده يثير اعجابه الى أقصي حد ..
    وقضي الوقت الكثير يفكر ويتدبر .. بيد أنه لم يكن من السهل عليه ـ على الرغم من اعجابه ـ أن يترك خلفه ميراث الأجداد ليدخل الى الدعوة المشرقة التى أحالت الظلام نورا ..
    وفى هذا اليوم .. يوم اسلامه رضي الله عنه ..
    كان حمزة فى رحلة صيد كعادته حيث يمثل الصيد هواية أثيرة لديه .. وعاد مع غروب الشمس الى مكة حيث الكعبة ليطوف بها كعادته ..
    وتلقاه النبأ الذى رواه له أحد شهوده من اعتداء أبي جهل لعنه الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول غليظ ..
    فثارت حمية حمزة ثورة عارمة وأخذته العزة لبنى هاشم ..
    وانطلق يسبقه غضبه الى حيث يلتمس أبا جهل فى أى مكان كان ..
    وألفاه قاعدا بين جماعة من أشراف مكة يتناولون الحديث أخذا وردا .. فتوجه اليه حمزة بعينين تتقدان شررا .. ورفع قوسه الصلب ليهوى به على رأس أبي جهل ..
    ويقول بصوته العاتى ..
    " أتسب محمدا وأنا على دينه .. ألا رد على هذا ان استطعت "

    وعلى الرغم من أن هذا الاعتداء يمثل مفاجأة وحدثا كفيل باشتعال الأمور بين حمزة وأبي جهل ومناصريه .. مع تدفق الدماء غزيرة من رأس أبي جهل ..
    الا أن شيئا آخر سال على نحو آخر .. تمكن من أخذ اهتمام الحضور من واقعة الضرب ..
    فقد سال الذهول غزيرا من وجوه القوم مع كلمات حمزة التى تعلن اسلامه .. لتصبح الصاعقة التى تركت أثرها عليهم بمن فيهم أبو جهل الذى تناسي دماءه المنسكبة .. ليتمكن من استيعاب الكارثة التى حلت بهم لاسلام حمزة ,,
    فحمزة رضي الله عنه أعز الفتية وأشجع فرسان قريش وشريفهم الكبير وواحد من أبطال أشرف عائلات قريش .. واسلامه ضربة قاصمة بحق لجهود قريش فى محاصرة الدعوة الجديدة ..
    وانضمام رجل بحجم حمزة الى هذا الركب يمثل نصرا عتيدا فى جولة كان حسمها لصالح المسلمين

    وبعد انصراف حمزة ..
    تمالك نفسه قليلا .. وأيقن أنه تحت تأثير الغضبة والحمية التى انتابته أشهر اسلامه وخرجت الكلمة منه .. وطالما خرجت فقد ثبتت ..
    وتأملوا المعنى يا رفاق ..
    حيث كانت الكلمة عهدا قاطعا لا يرد .. اذا خرجت فقد نفذت ..
    وتناوشته الظنون .. بين تردد فى ترك دين آبائه بهذا الشكل ..
    وبين ايمانه فى أعماقه بصحة الدعوة الجديدة ,,
    وانطلق الى الكعبة يبتهل الى الله استقرار حيرته .. وبعدها قصد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    يصارحه بحيرته ..
    فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم باستقرار يقينه ..
    وشيئا فشيئا .. تحول اسلام حمزة ضي الله عنه من كلمات خرجت فى لحظة غضب ,,
    الى يقين راسخ لا يتزعزع .. ليصبح رضي الله عنه أحد الأعمدة الكبري التى قامت عليها الدعوة ..
    هذا التعبير الذهبي الذى كان خلف اسلام حمزة رضى الله عنه ..
    يرينا كيف كانت الكلمة وتأثيرها على صاحبها ..
    كيف كانت عهدا قاطعا ..
    فأين أيامهم من أيامنا يا تري .. ؟!!
    فى زمنهم الخالى .. كانت الكلمة شرفا لا يتنازل عنه ..
    وفى زمننا أصبح القسم ذاته .. اذا خرج .. فربما حمل الصدق .. وربما حمل وفى أغلب الأحوال الخداع والريبة ..
    فى زمنهم الخالى .. كانت الكلمة تعبير صادق عن الأعماق .. حيث كان اللسان يطابق القلب ..
    وفى عهدنا الحالى .. أصبح اللسان فى واد .. وما تخفي الصدور فى واد آخر ..
    فلا حول ولا قوة الا بالله ..

    التعبير الثامن عشر
    " ان كنت أعتقنى .. لأكون لك .. فلك ما تريد .. وان كنت أعتقتنى لله .. فدعنى ومن أعتقتنى له "

    القائل ..
    بلال بن رباح رضي الله عنه

    الموقف
    بلال بن باح ..
    رضي الله عنك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وصفيه
    رضي الله عنك أيها النابغ الشامخ ..
    أيها العالم العابد .. أيها الزاهد الواثق
    ماذا يمكن للمرء أن يقول فى حق رجل كهذا ..
    والله ان الكلمات لتستحى عند وصفه ..
    رجل من أفذاذ الصحابه .. وأحد السابقين الأولين .. ممن عانوا وجاهدوا فقدموا أعظم الصور الانسانية فى التاريخ الاسلامى ..
    وله مواقف أكبر من أن تروى .. وأعظم من أن تدرك ..
    فى الصبر .. وليس أدل عليه من نشيده الشهير تحت الشمس والصخر
    " أحدٌ .. أحدْ "
    فى الايمان .. وليس أدل عليه من ثقته اللامحدودة بالله والآذان الذى كان يشدو به من أعمق أعماقه
    فى البطولة .. وليس أدل عليها من وقفته فى المشاهد كلها مع الرسول عليه الصلاة والسلام فى بدر .. وأيضا موقفه المشهود يوم تحطيم أصنام قريش عند فت مكة
    فى البلاغة والزهد .. والقدرة الفائقة على التعبير .. فليس أدل عليه من موقفه يوم أن ذهب وشقيقه لخطبة زوجتين له ولأخيه .. فقال لأبيهما ..
    " أنا بلال .. وهذا أخى .. عبدان من الحبشة .. كنا ضالين فهدانا الله .. وعبدين فأعتقنا الله ان تزوجونا .. فالحمد لله .. وان تمنعونا فالله أكبر .. "
    فى العاطفة الصادقة والمشاعر النبيلة فيكفي منه الموقف الذى قال فيه التعبير الذى نحن بصده ..
    تعبير يستفز الدموع لتسيل من قلب الحجر ..
    وقصته تتلخص فى أنه من المعروف أن من أعتق بلالا من الرق لأمية بن خلف هو الصحابي الجليل الصديق أبي بكر رضي الله عنه ..
    فلما انتقل الرسول صلوات الله وسلامه عليه .. وكان بلال فى حياة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام هو المؤذن ..
    تصدح كلمات الآذان بصوت شجى فائق الرقة .. عميق الايمان
    فلم يحتمل بلال البقاء بالمدينه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ..
    وكان افتقاد بلال وجميع الصحابة لا سيما الكبار للرسول صلى الله عليه وسلم افتقادا تعجز الأقلام مهما أوتيت من بلاغة عن وصفه ..
    ولا يمكن لخيالنا أن يدرك كم الحزن الفائق مع التسليم لأمر الله والذى عصف بقلوبهم جميعا ..
    وكان بلال بكل رقة قلبه .. عاجزا عن احتمال البقاء بالمدينه .. وكل ركن فيها يذكره بصحبة النبي عليه الصلاة والسلام وان كان لا ينساه بطبيعة الحال ..
    لكن المسجد والمجلس والطرقات ..
    وكل صور الحياة التى عاشها بلال مع الرسول عليه الصلاة والسلام .. تزيد من صعوبة الفراق ..
    فذهب الى الصديق أبي بكر رضي الله عنه وهو أنذاك خليفة المسلمين يستأذنه فى الخروج الى الشام ..
    فنظر أبو بكر رضي الله عنه بعينين دامعتين الى بلال كأنه يخبره من طرف خفي أنه يدرك السر لطلبه المفاجئ ..
    وقال له .." ومن يؤذن لنا يا بلال ..؟ "
    فخفض بلال رضي الله عنه وجهه وهو يكبح جماع دموعه بصعوبة ويقول
    " أنا لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم "
    فرجاه أبو بكر رضي الله عنه أن يبقي ..
    فرفع بلال وجهه قائلا .. ذلك التعبير الفائق
    " ان كنت أعتقتنى لأكون لك .. فلك ما تريد .. وان كنت أعتقتنى لله .. فدعنى ومن أعتقتنى له "
    الله .. الله .. يا صاحب رسول الله ..
    بلاغة وايمان .. ورد يدرس والله ..
    وهنا اختلفت روايات المؤرخين كما يحدثنا الكاتب الكبير خالد محمد خالد فى كتابه
    " رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم " ..
    حيث هناك من قال أن بلالا رضي الله عنه رحل الى الشام .. ومنهم من قال أنه قبل رجاء أبي بكر رضي الله عنه وظل بالمدينه حتى توفي الصديق .. فانتقل الى الشام مجاهدا وعابدا ..

    وهناك بالشام ..
    وعندما تم فتح بيت المقدس فى خلافة عمر رضي الله عنه وجاء أمير المؤمنين لتسلم مفاتيح المسجد .. هناك اجتمعت زمرة الصحابة وفيهم بلال رضي الله عنه
    فرجا الصحابة عمر رضي الله عنهم جميعا أن يطلب الى بلال ويلح عليه كى يؤذن لهم للصلاة فى ذلك اليوم المشهود ..
    وبعد الحاح ..
    قبل بلال .. وصدح ببلال رضي الله عنه بالآذان ..
    لتنفجر دموع الصحابة جميعا .. وقد تذكروا أيامهم مع المعلم والقائد والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ..
    رضي الله عنهم جميعا ..
    كانوا رجالا فوق وصف الكلمات ..

    التعبير التاسع عشر
    " نبئونى بالله عليكم .. أتحكيم الرجال فى أمر دماء المسلمين أحق وأولى .. أم تحكيمهم فى شاة ثمنها درهم "

    القائل ..
    عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

    الموقف
    رضي الله عنه عن أبيه الكريم
    العلم بن العلم .. الطيب بن الطيب .. رضي الله عنه .. وعن أبيه ..
    مهد الشجرة النبوية وتلميذ الدوحه الشريفه الأصيل ..
    رضي الله عنه
    هو حبر الأمه .. من كان يُـدعى للأمور الثقال والمسائل الجسام .. وهو بعد شابا لم يبلغ سنا
    لكنه بلغ علما وضعه على القمة الى جوار الكبار
    الى جوار بن عمه الامام .. بل امام الأئمة على بن أبي طالب رضي الله عنه
    والصحابي الجليل امام العلماء يوم القيامة .. سعد بن معاذ رضي الله عنه
    هو الذى دعا له الرسول عليه الصلاة والسلام قائلا ..
    " اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل "

    فصار العالم الأعلم .. من بين أهل عصره وزمانه بل وما تلا ذلك من العصور ..
    كثيرة هى الشهادات فى حق بن عباس وعلمه
    وعقليته الخرافية الحاوية لشتى العلوم من المعارف الت صار بكل مجال منها خبيرا ومتخصصا ..
    فى الفقه والسنه والتفسير وعلم اللغه وأخبار العرب وتاريخهم وأشعارهم
    وما جلس اليه عالم قط .. الا وأكبره وقدمه عليه ..
    وما جلس اليه مستمع حيادى الا وقام من مكانه مقتنعا بما قال بن عباس
    هو المحاور العبقري
    صاحب الحجة البالغه .. والبديهة البالغه الحضور
    وفى موقفنا هذا ..
    عندما تولى أمر المسلمين الامام على بن أبي طالب رضي الله عنه
    وكان ما كان من أمر الفتن والمعارك ..
    وانشقت الفرق المسماه بالخوارج على الامام على طاعنين ـ لعنهم الله ـ فى مكانته وفضله وعلمه ..
    وبرروا خروجهم عليه بعدد من العيوب رأوا فيها حجة على الامام ودليلا عليه
    فقام الامام على بارسال بن عمه وتلميذه المقرب عبد الله بن عباس رضي الله عنهم جميعا ..
    أرسله الى فرق الخوارج ليحاورهم ويبادلهم الرأى والحجة ويعرف أسباب خروجهم ويقنعهم ..
    واحتشدت الألوف المؤلفة فى انتظار ما يكون من أمر بن عباس
    وجاءهم الحبر القدير
    وبادرهم الى السؤال قائلا ..
    " ماذا تنقمون على على ً ؟!! "
    فقام نفر منهم وقالوا أسبابهم التى لخصوها فيما يلي

    الأول
    أنه حكم الرجال فى دين الله
    ويقصدون بذلك ما كان من أمر معركة صفين بين الامام على ومعاوية بن أبي سفيان حين رفع جيش معاوية المصاحف فوق أسنة الرماح هربا من الهزيمة وطلبا للتحكيم ..

    والثانى ..
    أنه قاتل .. وانتصر .. ولم يأخذ سبيا ولا أغنائم ممن قاتلهم ..
    فان كانوا كفارا فقد حقت لنا غنائمهم .. وان كانوا مؤمنين فلم قتلهم من البداية

    وهم بذلك يقصدون معركة الجمل بين الامام على ومناصرية وبين جيش السيدة عائشة رضي الله عنها وهى المعركة التى اضطر الامام على الى خوضها سعيا وراء الشرعية بعد خروج السيدة عائشة رضي الله عنها ومعها الصحابيان الجليلان الزبير بن العوام وطلحه بن عبيد الله
    فى تلك المعركة انتصر الامام علىً وحرص على انزال أم المؤمنين منزلا حسنا وأرسلها فى مكانه تليق بها الى المدينه المنورة ومنع جيشه من التعرض لجيش السيدة عائشة ومتاعهم

    والثالث
    رضي عند كتابة صحيفة التحكيم أن يخلع عنه صفة أمير المؤمنين فان لم يكن أمير المؤمنين فهو اذا أمير الكافرين

    ويقصدون بذلك أن الامام عندما قبل التحكيم .. بينه وبين معاوية .. جاء الكاتب ليكتب عقد التحكيم والاتفاق فبدأه بكلمة هذا ما تعاهد عليه على بن أبي طالب أمير المؤمنين فاعترض عليه مندوب معاوية وقال لو أننا نقر له بصفة الامارة لما قاتلناه وأصر أن تكتب الأسماء مجرده فتم له ما أراد

    استمع اليهم بن عباس رضي الله عنه جيدا ..
    ثم تناول أسبابهم بالمناقشة والتفنيد بالحجة والمنطق فمزق قولهم تمزيقا كما يلي
    قال لهم ..
    تنكرون على على أنه حكم الناس فى دين الله ..
    فتعالوا بنا الى قول الله عز وجل
    بسم الله الرحمن الرحيم
    " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم "
    صدق الله العظيم
    فأخبرونى بالله عليكم ..
    أتحكيم الرجال فى شاة ثمنها ردهم أحق وأولى أم تحكيمهم فى أمر دماء المسلمين ؟!!
    وهو التعبير الذى نحن بصدده الآن
    أرأيتم التعبير ومدى الحجة .. وقوتها وبراعتها ..
    وبالطبع لم يستطع أحد من محاورية أن ينبس بحرف واحد
    فكيف وقد قرر القرءان الكريم أمر تحكيم الرجال العدول فى أمر كفارة قتل الصيد أثناء الاحرام .. كيف يأتى من ينكره فى أمر حرب يتم التفاوض فيها لحقن دماء المسلمين

    وتعالوا بنا نتأمل مدى البراعه فى الرد على المسألتين المتبقيتين

    قال بن عباس
    وأما قولكم أنه حارب ولم يأخذ سبيا ولا غنيمة ..
    فبالله عليكم أكنتم تردون منه أن يأخذ زوج رسول الله صلي الله عليه وسلم وأم المؤمنين سبيا وأسلابها غنائم ؟!!!
    فوضع الناس رؤوسهم فى الأرض خجلا ولم يردوا بطبيعه الحال

    ثم أكمل بن عباس
    وأما قولكم أنه رضي أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين
    فاستمعوا اذا الى ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم صلح الحديبية ..
    يومها كتب كاتب الصحيفة هذا ما تعاهد عليه محمد رسول الله
    فاعترض مندوب قريش سهيل بن عمرو والذى أسلم فيما بعد وقال للرسول عليه الصلاة والسلام معترضا .. لو أننا نعرف أنك رسول الله لما حاربناك
    وأصر أن تُــكتب الأسماء مجردة
    فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام .. " والله انى لرسول الله وان كذبتم "
    ثم قال لكاتب الصحيفة اكتب ما يشاؤون فكتب هذا ما تعاهد عليه محمد بن عبد الله
    وبالطبع لم يستطع القوم نطقا أمام منطق بن عباس
    وكانت النتيجة أن اقتنع منهم زهاء عشرين الفا من الذين حضروا المساجلة وأعلنوا عودتهم لطاعه الامام رضي الله عنه

    وجدير بالذكر أن من مفارقات القدر
    أن الامام على رضي الله عنه هو نفسه كاتب صحيفة صلح الحديبية وقد اعترض بشدة على عدم كتابة واثبات صفة رسول الله عليه الصلاة والسلام .. فأمره الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفعل ثم قال له
    " اكتبها يا على .. فستـُسام مثلها فترضي "
    وهذا ما تحقق بالفعل يوم قبل الامام نزع صفة امارة المؤمنين فى صحيفة التحكيم وقام باثبات اسمه مجردا ..

    رحم الله الامام وأهل البيت جميعا
    وصلي الله وسلم على سيدنا وامامنا رسول الله عليه الصلاة والسلام
    رضي الله عنك يا حبر الأمة ..
    يا أشد أهل الأرض براعه فى الحوار والعلم بعد النبيين والأئمة

    عرفوا الحق والحقيقة فلزموا أرضها حيث حلت ..



    التعبير الحادى عشر ..
    " اللهم خذ لعثمان منى اليوم حتى ترضى .."
    القائل ..
    " طلحة بن عبيد الله .. " رضى الله عنه

    الموقف ..
    لا يذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه رضى الله عنهما .. كما قال المفكر الاسلامى خالد محمد خالد رحمه الله .. فقد كانا جناحين لقلب واحد اتخذ من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نبراسا وهاديا
    وكان طلحة رضى الله عنه من أجود الناس وأكرهم حتى لقبوه بطلحة الخير وطلحة الفياض ..
    كان رضى الله عنه سيفا فى الحق لا يهون ..
    وحماسة الحق فى أعماقه .. أخذته بعيدا فى التعبير عن غضبه من الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه .. ابان أزمة الاسلام الثانية " الفتنة الكبري "
    وكان دافع غضبه رؤية عثمان رضى الله عنه فى موقف المحابي لأقاربه .. غير أنه لم يكن يعلم قطعا حقيقة هدف المتمردين .. ونيتهم فى قلب الخلافة ..
    كان يتوقع أنها غضبة حق من أهل حق .. لا غضبة باطل فى صورة حق .. لذا لم يجد طلحة رضى الله عنه غضاضة فى الوقوف الى جانب من تصورهم على الحق ..
    فلما بسطت الحوادث وقائعها .. وتم اغتيال ذى النورين رضى الله عنه .. كانت صدمته عنيفة بحق ..
    وطار صوابه مما حدث .. ونظرا لطبيعته الجياشة .. أحس بوخز الضمير يكاد يفتك به .. وتغير موقفه من النقيض الى النقيض .. وهب هو والزبير والسيدة عائشة رضى الله عنهم يجمعون الناس للفتك والأخذ بثأر عثمان .. وكان طلحة رضى الله عنه أشدهم فى ذلك حمية .. ونظرا لأنه فكر بعواطفه وأحس أنه يحمل بعض الوزر فى مقتل عثمان رضى الله عنه .. فلم يهتد الى الصواب .. ويترك أمر القصاص لخليفة المسلمين الجديد على بن أبي طالب رضى الله عنه .. ولم يستمع لنصائحه .. وكيف لا .. وذنب عثمان رضى الله عنه يصم عن أذنيه كل شيء الا الأخذ بدمه الزكى ..
    وكانت وقعة الجمل .. تلك الوقعة التى فتكت بنفس وقلب وعقل الامام على رضى الله عنه .. وهو يري أم المؤمنين تقود جيشا هو فى حكم المنطق جيش تمرد على سلطة الخليفة الشرعى .. معها رفاق السلاح القدامى طلحة والزبير رضى الله عنه ..
    فى ذلك اليوم .. وقف طلحة قبل بدء القتال وعيناه تدمعان وقال ..
    " اللهم خذ لعثمان منى اليوم حتى ترضى "
    قالها فى احساس عارم بالمسؤلية .. مسؤلية لن تجد عزيزى القارئ معشارها هذه الأيام .. مسؤلية لا يحمل وزرها هو .. لم يشارك بها لكن طبيعة الصحابي المثالي فى أعماقه دفعته الى تحملها وهو منها برئ..
    ودارت المعركة .. ولنتفض الامام على رضى الله عنه من كثرة الدماء المسالة .. وصاح بكل ما يعتمل فى نفسه من المرارة ..
    " الى يا طلحة .. الى يا زبير"
    فبرزا له .. فنظر الامام على رضى الله عنه الى الزبير رضى الله عنه وقال بعيون دامعة ..
    " يا زبير .. ناشدتك الله .. ألا تذكر في يوم أن كنت جالسا مع رسول الله صلى عليه وسلم .. ورأيتنى مقبلا .. فابتسمت لى .. فسألك رسول الله صلى عليه وسلم .. أتحبه يا زبير .. فرددت أنت .. ألا أحب ابن عمى وابن خالى ومن هو على دينى ..
    فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم .."
    فامتقع وجه الزبير رضى الله عنه وألجمت كلمات الامام على رضى الله عنه لسانه وهو يتذكر الموقف البعيد .. وانتفض قلبه وهو ينزل من على صهوة جواده ودموعه تسبقه ..وألقى بسيفه على الأرض وقال للامام على ..
    " نعم .. والله لقد ذكرتنى بما نسيت .. والله لا أقاتلك أبدا .. " وانصرف ودموعه تبلل خطواته ..
    فالتفت الامام على رضى الله عنه الى طلحة رضى الله عنه وقال ..
    " وأنت يا طلحة .. أخبأت عرسك فى البيت .. وجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعنى السيدة عائشة رضى الله عنها) .."
    فارتج على طلحة رضى الله عنه وكشفت كلمات الامام على رضى الله عنه ما خفى عن عيونه .. وأبصر ما هو فيه من موقف .. فترجل عن فرسه .. ولحق بصاحبه الزبير رضى الله عنه نادما ..
    واستغفرا الله على ما دفعتهما اليه عاطفتهما .. ولم يطل الوقت بهما حتى لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فى غير تفريط ولا افراط ..
    أما الزبير فقد قتله عمرو بن جرموز لعنه الله .. وطلحة صاحب التعبير .. رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله ليستكمل مروان بذلك جرائمه بعد أن كان سببا رئيسيا فى تشويه صورة الخليفة الطاهر عثمان بن عفان رضى الله عنه
    وبقيت السيدة عائشة رضى الله عنها فى المدينة .. بعد أن أرسلها اليها الامام على رضى الله عنه معززة مكرمة .. وكلما تذكرت وقعة الجمل استغفرت وندمت ..
    وبقي من قولها فى هذا الشأن ..
    " والله ما كان أن أرزق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة من الولد .. بأحب الى من أن عدم خروجى يوم الجمل "
    رحم الله زمانا ..
    كانت الكلمة فيه بقيمتها ..
    والموقف فيه عنوان صاحبه ..
    وصلى الله على الرسول الكريم وسلم .. ورضى عن صحابته الكرام

    أحبائى .. تمت بذلك تعبيرات العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم مع افتتاح التعبيرات باحدى مقولات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
    وباذن الله .. نتذكر معا بعضا من تعبيرات أعلام الصحابة رضوان الله عليهم
    وقد بدأت بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم بالعشرة المبشرين .. ثم أواصل باذن الله بأهل بدر وأحد ومن تلاهم .. ودافعى فى ذلك ..
    ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه حيث قال ..
    " كنا نفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..بأبي بكر .. ثم عمر .. ثم عثمان .. ثم على .. ثم سائر العشرة .. ثم أهل بدر .. ثم أهل أحد.. ثم بقية الصحابة "
    فرضى الله عنهم جميعا

    التعبير الثانى عشر ..
    " لا حاجة لى فى دنياكم "
    القائل ..
    " جندب بن جنادة .. الشهير بأبي ذر الغفاري "

    الموقف ..
    هذا الموقف .. يعلمنا كيف كان الاختلاف بين الصحابة رحمة .. كيف كان هادفا لخير المسلمين نابعا من صور الايمان الكامل فى غير تعصب أعمى ..
    هذا الموقف .. يعلمنا كيف أن الاختلاف فى وجهات النظر لا يعنى أن ينكر الأخ ما لأخيه من الفضل
    مهما اتسعت هوة هذا الاختلاف ..
    وبالنظر الى صاحب الكلمات .. أبو ذر الغفاري رضى الله عنه .. سنجد اننا أمام أستاذ متفرد .. نسيج وحده .. تلميذ مميز من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ما لصاحبه من تفرد .. عندما جاءه بعد الهجرة مصطحبا معه قبيلتى غفار وأسلم .. هاتان القبيلتان اللتان كانتا حلفاء للشيطان .. وجبابرة قطع طريق القوافل ..
    جاء بهم أبو ذر .. أبطالا للاسلام .. أساتذة فى الايمان .. حلفاء للخير والحق والعدل
    وتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم الى صاحبه وقد شعر فيه بصدق اللهجه والعنف فى الوقوف الى جانب الحق .. توجه اليه بالنصح أن يستخدم لسانه الجامع بديلا عن سيفه القاطع ..
    وذلك حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    " ما أقلت الخضراء ولا أظلت الغبراء .. أصدق لهجة من أبي ذر "
    وعاش أبوذر هانئا قابعا وراضيا فى خلافة الصديق والفاروق رضى الله عنهما .. وعندما أهلت خلافة ذى النورين رضى الله عنه ومضت الحوادث والسنون وكان ما كان من خداع أقرباء الخليفة العادل لخليفتهم .. وزادت ثرواتهم وتطاولوا فى البنيان على رقاب الناس .. هب أبوذر ناشرا لسانه الحاد لتنبيه الخليفة .. وانطلق الى الشام .. حيث واليها معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ..
    وهناك التف الناس حول أبي ذر هاتفين
    " حدثنا يا أبا ذر .. حدثنا يا صاحب رسول الله " ..
    وتحدث أبو ذر رافضا تزايد أموال الولاة .. ومنشدا نشيده الشهير
    " بشر الكانزين بمكاو من النار " والمأخوذ عن القرءان الكريم ..
    وأتى معاويه فى قصره .. ووقف يسائله فى عنف وقوة .. عن ثروته بالأمس وثروته اليوم .. عن دوره بالأمس فى مكة .. وعن قصوره اليوم بالشام ..
    ومعاوية يحاول مناقشته .. وأبو ذر كالسيف القاطع بما له من العلم الجامع ..
    وحين استشعر معاوية خطورة الموقف .. لم يستطع التعرض لأبي ذر وحفظ له قدره .. وأرسل الى الخليفة يستنجد به قائلا " ان أبا ذر أفسد علينا الناس بالشام "
    فأرسل عثمان الى صاحبه أبا ذر رضى الله عنهما .. ليأتيه من فوره .. فامتثل أبوذر لأمر الخليفة وهرع اليه

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء يوليو 02, 2024 4:09 pm