ولد1138 - 1193م مؤسس الدولة الأيوبيةفي مصروالشام، أمتد سلطانه إلى شمال العراق وإلى بلاداليمن. اشتهر بلقبه السابقصلاح الدينفيسورياقبل أن يصبح سلطاناً لمصر وتسمى بالملك الناصر.
ولد صلاح الدين في تكريت عام532 هـ/1138 مفي ليلة مغادرة والدهنجم الدين أيوبقلعةتكريتحينما كان والياً عليها، ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين فيأرمينيا، وبحسب ابن الأثير فإن نسبه يعود إلى الأكراد الروادية، بينما نقل المؤرخ جمال الدين محمد بن سالم ما نسبه للأيوبيين أنهم قالوا: "انما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم، وعن الأيوبيون ملوك اليمن أنهم قالوا بنسبتهم إلى بني أمية، أما الأيوبيون ملوكدمشقفأنهم أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطونغطفانوقد أحضر هذا النسب علىالمعظم عيسى بن أحمدصاحب دمشق.
وقد شرح الحسن بن داود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية" ما قيل عن نسب أجداده وقطع أنهم ليسوا أكرادًا، بل نزلوا عندهم فنسبواإليهم. وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذاالنسب".
كما أن الحسن بن داوود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب التي وضعهاالحسن بن غريب،والتي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي (محمد) بنعنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بنالحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن مُرَّة بن عُوف بن أسامة بن بَيْهسبن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مُرّة بن نَشبَة بن غَيظ بن مرة بن عوفبن لؤي بن غالب بن فِهر وهو جدقريش
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلىبعلبكحيث أصبح والياً عليها مدة سبع سنوات وانتقل إلىدمشقوقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث قضى فترة شبابه في بلاط الملك العادلالملك العادل نور الدين محمود بن زنكيملكدمشقوكان من القادة في جيش نور الدين، أرسله نور الدين مندمشقفي الحملات فيالشاموإلىمصرليستكمل عمل عمهأسد الدين شيركوهعلى رأس الجيش التي ارسله مندمشقلمواجهة الصليبين في الشام وفي مصر بسط سيطرته عليها والعمل على صدالحملة الصليبية،وفي ذات الوقت ليستكمل انتزاعها من الفاطميين الذين كانت دولتهم في أفول،فنجح في عرقلة هجوم الصليبيين سنة 1169 بعد موت عمه شيركوه، وقمع تمرداًللجنود الزنوج، كما فرض نفسه كوزير للخليفةللعاضد، فكان صلاح الدين هو الحاكم الفعلي لمصر.
كان الوزير الفاطميشاورقد فر من مصر هرباً من الوزيرضرغام بن عامر بن سوارالملقبفارس المسلميناللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة وقتل ولده الأكبرطيء بن شاورفتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملكنور الدين زنكيفيدمشقوذلك في شهر رمضان 558ھ ودخل دمشق في 23 من ذي القعدة من السنة نفسها فوجهنور الدين معه أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدينفي جملتهم في خدمة عمه وخدمة جيش الشام وهو كاره للسفر معهم وكان لنورالدين في إرسال هذا الجيش هدفان؛ قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليهمستصرخا، وأنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهةالجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
مجئ صلاح الدين الى مصر
وكان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانتهفانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاورمعهم فخرجوا مندمشقعلى رأس الجيش وفي جمادى الأولى سنة 559ھ فدخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها.
ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلواالضرغاموحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسدالدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في بلبيس، وكان أسد الدين قدشاهد البلاد وعرف أحوالها. ولكن تحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبيةوالحملات المتتالية على مصر بالإضافة إلى قلة عدد الجنود الشامية أجبر علىالانسحاب من مصر. واعاد الملك نور الدين بن عماد الدين زنكي بإرسال الجيشمندمشقلمجابهة الصليبين. وبلغ إلى علم نور الدين في دمشق وكذلك أسد الدين مكاتبةالوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوهاويملكوا بطريقها جميع البلاد هناك فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج مندمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين،وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاوروالمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة.
وتوجه صلاح الدين في قيادة الجيش إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصرهالوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562ھ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيدإلىبلبيسوتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى دمشق.
عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك أن الإفرنججمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع أسد الدين طمعافي البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين في الشام لم يسعهما الصبرفسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والجيش ولم يمكنه المسير بنفسهللتصدي لاي محاولة من قبل الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوتهوأهله ورجاله وسار الجيش.
يقول بن شداد: لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت من دمشق مع عمي باختياري وهذا معنى قولالقرآن "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم البقرة:216
وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين في دمشقالشام يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأولسنة 564ھ ولما علم الإفرنج بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصرعلى اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسدالدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروهمن النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارةوبالإفرنج أخرى، وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاورفأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيراوذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564ھ ودام آمرا وناهيا وصلاح الدين يباشرالأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثانيوالعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين.
صلاح الدين وزيراا وحاكما فى مصر
ولما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمعالآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطاياوالهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتدزحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم منداخل فانتصر عليهم فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتلمن رجالهم عدد كبير.
في1170أغار صلاح الدين على غزة التي كان يسيطر عليها الصليبيون، وفي السنة التالية انتزعأيلةمنمملكة بيت المقدسالصليبية وأغار على مقاطعتي شرقنهر الأردنوقلاعالشوبكوالكرك.
في البداية لم يكن مركز صلاح الدين في مصر مستقرا بسبب الاضطراب الذيسببه توالي عدد كبير من الخلفاء الفاطميين في مدد قصيرة، تحكم في قراراتهمسلسلة من الوزراء.
بعد موتالعاضدسنة1171، دفع صلاح الدين العلماء إلى المناداةبالمستضيءالعباسي خليفة والدعاء له في الجمعة والخطبة باسمه من على المنابر، وبهذاانتهت الخلافة الفاطمية في مصر، وحكم صلاح الدين مصر كممثل لنور الدينالذي كان في النهاية يقر بخلافة العباسيين.
حدّث صلاح الدين اقتصاد مصر، وأعاد تنظيم الجيش مستبعداً العناصرالموالية للفاطميين، واتبع نصيحة أبيه أيوب بألا يدخل في مواجهة مع نورالدين الذي كان يدين له رسميًا بالولاء. لكن بعد موت نور الدين سنة1174اتخذ صلاح الدين لقب "سلطان" في مصر مؤسساًالأسرة الأيوبية، ومادًا نفوذه في اتجاهالمغرب العربي.
كانشيركوهعندما انطلق إلى جنوب مصر للقضاء على مقاومة مؤيدي الفاطميين قد واصل الاتجاه جنوبا بحزاءالبحر الأحمرباسطا نفوذه على اليمن ومُدخلها تحت حكم الأيوبيين.
كان صلاح الدين قد تراجع في مناسبتين عن غزومملكة بيت المقدس، وذلك في عامي1170و1172حيث كان يسعى للإبقاء على امن بلاد مصر والنوبة، فكاد هذا يكون سببا فيوقوع مواجهة مباشرة مفتوحة بين صلاح الدين ونورالدين إلا أن موت نورالدينحسم المسألة، وكان ابنهالصالح إسماعيلطفلا، فسار صلاح الدين إلىدمشقفدخلها واستقبل فيها بترحاب بينما انتقل الصالح إسماعيل إلىحلبوظل يقاوم حتى مقتله سنة1181.
في دمشق توج السلطان صلاح الدين وعضّد مُلكه بالزواج من أرملة نورالدين،عصمت الدين خاتون، ثم بسط نفوذه على حلب والموصل عامي1176و1177على الترتيب، وبينما كان يحاصر حلب يوم22 مايو1176حاولالحشاشوناغتياله، فأجروا محاولتين كانت ثانيهما وشيكة إلى حد أنه أصيب. بعد ذلكفرض صلاح الدين نفوذه على الجزيرة في شمال العراق وأخضع الزنكيين فيالموصل وسنجاروالأرتوقيينفي ماردين وديار بكر، كما بسط نفوذه علىالحجاز.
يقولأبو شامة المقدسيفي كتابهالروضتين في أخبار الدولتين: "لما فتح السلطان حصن بزاعة ومنبج أيقن من بجلب بخروج مافي أيديهم منالمعاقل، والقلاع، فعادوا إلى عادتهم في نصب الحبائل للسلطان. فكاتبواسناناً صاحبالحشيشيةمرة ثانية، ورغبوه بالأموال والمواعيد، وحملوه على البتاع
فأرسل، لعنه الله، جماعة من أصحابه فجاءوا بزي الأجناد، ودخلوا بينالمقاتلة وباشروا الحرب وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطانلعلهم يجدون فرصة ينتهزونها. فبينما السلطان يوماً جالس في خيمة جاولي،والحرب قائمة والسلطان مشغول بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحد الحشيشيةوضربه بسكينة على رأسه، وكان محترزاً خائفاً من الحشيشية، لايترع الزرديةعن بدنه ولا صفائح الحديد عن رأسه؛ فلم تصنع ضربة الحشيشي شيئا لمكان صفائحالحديد وأحس الحشيشي بصفائح الحديد على رأس السلطان فسبح يده بالسكينة إلىخد السلطان فجرحه وجرى الدم على وجهه؛ فتتعتع السلطان بذلك.
ولما رأى الحشيشي ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه، ووضعه على الأرضوركبه لينحره؛ وكان من حول السلطان قد أدركهم دهشة أخذت عقولهم. وحضر فيذلك الوقت سيف الدين يازكوج، وقيل إنه كان حاضرا، فاخترط سيف وضرب الحشيشيفقتله. وجاء آخر من الحشيشية أيضا يقصد السلطان، فاعترضه الأمير داود بنمنكلان الكردي وضربه بالسيف، وسبق الحشيشي إلىابن منكلانفجرحه في جبهته، وقتلهابن منكلان، وماتابن منكلانمن ضربة الحشيشي بعد أيام. وجاء آخر من الباطنية فحصل في سهم الأمير عليبن أبي الفوارس فهجم على الباطني ودخل الباطني فيه ليضربه فأخذه علي تحتإبطه، وبقيت يد الباطني من ورائه لايتمكن من ضربه، فصاح علي: اقتلوهواقتلوني معه، فجاء ناصر الدين محمد بن شيركوه فطعن بطن الباطني بسيفه،وما زال يخضخضه فيه حتى سقط ميتا ونجا ابن أبي الفوارس. وخرج آخر منالحشيشية منهزما، فلقيه الأثير شهاب الدين محمود، خال السلطان فتنكبالباطني عن طريق شهاب الدين فقصده أصحابه وقطعوه بالسيوف.
وأما السلطان فإنه ركب من وقته إلى سرادقه ودمه على خده سائل، وأخذ منذلك الوقت في الاحتراس والاحتراز، وضرب حول سرادقه مثال الخركاه، ونصب لهفي وسط سرادقه برجا من الخشب كان يجلس فيه وينام، ولايدخل عليه إلا منيعرفه، وبطلت الحرب في ذلك اليوم، وخاف الناس على السلطان. واضطرب العسكروخاف الناس بعضهم من بعض، فألجأت إلى ركوب السلطان ليشاهده الناس، فركبحتى سكن العسكر."
بينما كان صلاح الدين يعمل على بسط نفوذه على عمق سورية فقد كان غالبايترك الصليبيين لحالهم مرجئا المواجهة معهم وإن كانت غالبا لم تغب عنهحتميتها، إلا أنه كان عادة ما ينتصر عندما تقع مواجهة معهم، وكانالاستثناء هوموقعة مونتجيسارديوم25 نوفمبر1177حيث لم يُبدِ الصليبيون مقاومة فوقع صلاح الدين في خطأ ترك الجند تسعى وراء الغنائم وتتشتت، فهاجمته قواتبولدوين السادسملكأورشليموأرناطوفرسان المعبدوهزمته. إلا أن صلاح الدين عاد وهاجم الإماراتالفرنجيةمن الغرب وانتصر على بولدوين في معركة مرج عيون في1179وكذلك في السنة التالية فيموقعة خليج يعقوب، ثم أرسيت هدنة بين الصليبيين وصلاح الدين في1180.
إلا أن غارات الصليبيين عادت فحفزت صلاح الدين على الرد. فقد كانأرناطيتحرش بالتجارة وبالحجاج المسلمين بواسطة أسطول له فيالبحر الأحمر، فبنى صلاح الدين أسطولا من 30 سفينة لمهاجمةبيروتفي1182، وعندها هدد أرناطُ بمهاجمةمكةوالمدينة، فحاصر صلاح الدين حصنالكركمعقل أرناط مرتين في عامي1183و1184، ورد أرناط بمهاجمة قوافل حجاج مسلمين سنة1185.
تروى مصادر فرنسية من القرن الثالث عشرأن أرناط قد أسرَ في غارة أختَ صلاح الدين وإن كان ذلك غير مشهود فيالمصادر المعاصرة، سواء الإسلامية أو الفرنجية، بل يُذكر أن أرناط هاجمقافلة قبل ذلك وأن صلاح الدين أرسل حراسا لحماية اخته وابنها الذين لميصبها أذى.
بعد أن استعصى حصنالكركالمنيع على صلاح الدين أدار وجهه وجهة أخرى وعاود مهاجمةعز الدين مسعودبنمودود الزنكيفي نواحيالموصلالتي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة 1182، إلا أن تحالف عزالدين مع حاكم أذربيجان وجبالحال دون تحقق مراده، ثم إن صلاح الدين مرض فأرسيت معاهدة في1186.
معركة حطين
في عام1187سقطت أغلب مدن وحصونمملكة بيت المقدسفي يد صلاح الدين بعد أن هزمت القوات الصليبية فيموقعة حطينبتاريخ في4 يوليو1187.
حيث ألتقت قوات صلاح الدين فيمعركة حطينمع القوات المجتمعة بقيادةغي دي لوزينياننائب ملكمملكة بيت المقدس، وريموند الثالثكونت طرابلس، وفي تلك الموقعة كادت قوات الصليبيين تفنى.
دخلت قوات صلاح الدينالقدسيوم2 أكتوبر1187بعد أن أستسلمت المدينة وكان صلاح الدين قد عرض شروطا كريمة للاستسلام،إلا أنها رفضت، فبعد بدء الحصار رفض أن يمنح عفوا للأوروبيين من سكانالقدس حتى هددباليانبقتل كل الرهائن المسلمين الذين كان عددهم يقدر بخمسة آلاف، وتدميرقبة الصخرةوالمسجد الأقصى،فاستشار صلاح الدين مجلسه ثم قبِل منح العفو، على أن تُدفع فدية لكل فرنجيفي المدينة سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا، إلا أن صلاح الدين سمحلكثيرين بالخروج ممن لم يكن معهم ما يكفي لدفع الفدية عن جميع أفراد أسرهم.
قبل القدس كان صلاح الدين قد استعاد كل المدن تقريبا من الصليبيين، ما عداصورالتي كانت المدينة الوحيدة الباقية في يد الصليبين. من الناحيةالإستراتيجية ربما كان من الأفضل لصلاح الدين فتح صور قبل القدس لكونالأولى بموقعها على البحر تشكل مدخلا لإمدادات الصليبيين من أوروبا، إلاأنه اختار البدء بالقدس بسبب أهميتها الروحية لدى المسلمين.
كانتصورفي ذلك الوقت تحت إمرةكونراد أمير مونتفراتالذي حصنها فصمدت أمام حصارين لصلاح الدين. كان صلاح الدين قد أطلق سراحجاي ذي لوزينانوأعاده إلى زوجتهسيبيلا ملكة أورشليم، فلجئا أولا إلىطرابلسثم إلىأنطاكيا، وحاولا عام1189استعادةصورإلا أن كونراد حاكمها رفض دخولهما لأنه لم يكن يعترف بجاي ملكا، فذهب جاي لحصار عكا.
حفّز فتح القدس خروج حملة صليبية ثالثة، مُوِّلت في إنجلترا وأجزاء من فرنسا بضريبة خاصة عرفت بضريبة صلاح الدين (بالإنجليزية: Saladin tithe)، قاد الحملة ثلاثة من أكبر ملوك أوروبا في ذلك الوقت همرِتشَرد (قلب الأسد) ملك إنجلترا، وفيليب أغسطسملك فرنسا، وملك ألمانيافريدريك بربروساالإمبراطور الروماني المقدس، إلا أن هذا الأخير مات أثناء الرحلة، وانضم الآخران إلىحصار عكاالتي سقطت في1191، وأُعدم فيها ثلاثة آلاف سجين مسلم بمن فيهم نساء وأطفال، في7 سبتمبر1191اشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادةرتشردفيمعركة أرسوفالتي انهزم فيها صلاح الدين، إلا أن الصليبيين لم يتمكنوا من اجتياح الداخل وبقوا على الساحل وفشلت كل محاولاتهم لغزو القدس فوقّعرِتشَردفي1192معاهدة الرملةمع صلاح الدين مستعيدا بموجبها مملكة أورشليم الصليبية في شريط ساحلي ما بينيافاوصوركما فتحت القدس للحجاج المسيحيين. العلاقة بين صلاح الدين الأيوبي ورتشردمثالا على الفروسية والاحترام المتبادلين رغم الخصومة العسكرية، فعندما مرضرتشردبالحمى أرسل إليه صلاح الدين طبيبه الخاص، كما أرسل إليه فاكهة طازجةوثلجا لتبريد الشراب، وهو إلى جانب كونه فعلا كريما يعد استعراضا للقدرة،وعندما فقدرتشردجواده في أرسوف أرسل إليه صلاح الدين اثنين.
عرضرتشردعلى صلاح الدين فلسطين موحدة للمسيحيين الأوربيون والمسلمين العرب بطريق تزويج أخترتشردبأخو صلاح الدين وأن تكون القدس هدية زفافهما. إلا أن الرجلين لم يلتقيا أبدا وجها لوجه وكان التواصل بينهما بالكتابة أو بالرسل.
:وفاة صلاح الدين
كانت المواجهة معريتشاردومعاهدة الرملةآخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيلريتشارد، مات صلاح الدين من الحمى في دمشق في3 مارس1193، الموافق يوم الأربعاء27 صفر589 ھـ. وعندما فُتحت خزانته الشخصية وجدوا أنه لم يكن فيها ما يكفي من الماللجنازته، فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا ذهباسوريا ولم يخلف ملكا ولا دارا، إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات[7]
صلاح الدين مدفون في ضريح فيالمدرسة العزيزيةقربالجامع الأمويفيدمشقإلى جوار الملكنور الدين زنكي، وكانفلهلم الثانيإمبراطور ألمانيا عندما زار دمشق توجه إلى مدفن صلاح الدين ووضع باقة زهورجنائزية على قبره عليها نقش معناه "ملك بلا خوف ولا ملامة علّم خصومه طريقالفروسية الحق"[8]،كما أهدى نعشا رخاميا للضريح إلا أنه جثمان صلاح الدين لم ينقل إليه وبقيفي النعش الخشبي، بينما بقي الهدية في الضريح خاويا إلى اليوم.
في ساعة موته كتبالقاضي الفاضلقاضيدمشقإلى ولدهالملك الظاهرصاحبحلببطاقة مضمونها {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} {إن زلزلة الساعة شيءعظيم} كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه وجبر مصابهوجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقدحفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لاتلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله مغلوب الحيلة ضعيفالقوة راضي عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجنود المجندةوالأسلحة المعدة ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشعالقلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأما الوصايافما تحتاج إليها والآراء فقد شغلني المصاب عنها وأما لائح الأمر فإنه إنوقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلةأهونها موته وهو الهول العظيم والسلام.
بالرغم من أنالدولة التي أسساهاصلاح الدين لم تدم طويلا من بعده، إلا أن صلاح الدين يعد في الوعيالإسلامي محرر القدس واستلهمت شخصيته في الملاحم والأشعار وحتى مناهجالتربية الوطنية في الدول العربية، كما ألفت عشرات الكتب عن سيرته،وتناولتها المسرحيات والتمثيليات والأعمال الدرامية. لا يزال صلاح الدينيضرب به المثل على القائد المسلم المثالي الذي يعمل على مواجهة أعداءهبحسم ليحرر أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة. نسر العقابالذي يرمز للدولة الأيوبية اتخذ كشعار للعديد من الدول العربية في العصر الحديث، أولهامصر، إذ يظهر هذا النسر فيالعلم المصري، كما اتخذ شعارًا لكل منفلسطين، وسوريا، والعراق.
بالرغم من كونه خصما عنيدا للأوربيين فإن صلاح الدين في الوعي الأوربيظل نموذجا للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية بالمفهوم الأوربي،حتى أنه توجد ملحمة شعبية شعرية من القرن الرابع عشر تصف أعماله البطولية.
كما أن الشاعردانتي أليجييريمؤلفالكوميديا الإلهيةقد وضعه فيالمطهرمع عدد من الشخصيات التي عدها كافرة - وفق معتقده المسيحي الكاثوليكي - لكنها في نظره شخصيات صالحة وسامية أخلاقيا (وضع دانتي الرسول محمد صلىالله عليه وسلم في المطهر كذلك). كما أن صلاح الدين يصور بشكل مقبول فيروايةوالتر سكوتالتعويذة (The Talisman) المكتوبة سنة1825.
عام 2006 جُسِدتْ شخصيةُ صلاح الدين في فيلممملكة الجنة (Kingdom of Heaven)بأسلوب فيه فروسية أخلاق وكرم نفس. ويدرك الأوربيون أنه بالرغم من المذابحالتي أوقعها الصليبيون عندما غزوا القدس في 1099 فإن صلاح الدين قد عفا عنكل المسيحيين الكاثوليك (الأوروبيين) وحتى عن الجنود المنهزمين طالماكانوا قادرين على دفع الفدية، في حين عومل الأرثودكس (و منهم العرب) حتىبأفضل من ذلك لأنهم عادة ما كانوا يعارضون الغزو الأوربي الصليبي.
بالرغم من الاختلاف في العقيدة فإن القُواد المسيحيين امتدحوا صلاح الدين، خصوصارتشرد قلب الأسدالذي قال عنه أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالمالإسلامي؛ كما رد صلاح الدين بأنه لم يكن هناك قائد مسيحي أشرف من رتشرد.
قال عنه المؤرخون الأوربيون أن "من الحق أن كرمه وورعه وبعده عنالتعصب؛ تلك الليبرالية والنزاهة التي كانت النموذج الذي ألهم مؤرخيناالقدماء؛ هي ما أكسبه احتراما في سورية الإفرنجية لا يقل عن الذي له فيأرض الإسلام
والله الموفق